حينما فقدت الشرعية والحكومة شرعيتها،وحينما تكالب عليها كلاب مران وأحكموا الخناق حولها،وحينما جردوها من كل شيء وباتت عاجزة عن حماية نفسها،وحينما تركت البلد وحلقت إلى بلدان أخرى وسكنت الفنادق والقصور والدور وتركت خلفها شعباً يتضور جوعاً والماً، لم يفكر هذا الشعب البتة في المه وجوعه ودماؤه التي ستهدر وأرواح أبنائه التي ستزهق،بل فكر في شيء واحد فقط وهو كيف يدافع عن الدين والأرض والعرض،وكيف يعيد لهذه الحكومة والشرعية المسلوبة الإرادة والفاقدة (للحيلة) قيمتها ومكانتها وشرعيتها..
فخرج الأبطال في الجنوب يحملون أكفانهم على أكفهم ويمتشقون أسلحتهم الخفيفة من منطلق ديني ووطني وعقائدي،فتصدوا لتلك المجنزرات والدبابات وتلك الجحافل التي تقاطرت صوب الجنوب،وجابهوهم بصدور عارية وعزيمة (كالفولاذ) والجبال لاتلين، أو (تتزعزع)..
لم يفكر هؤلاء المقاومون في (جاه) أو مناصب، أو أموال،كان كل (همهم) هو دحر هذا العدوان الحوثعفاشي وردعه،وإعادة الحكومة وشرعيتها (المسلوبة) بعد أن أستجارت بهذا الشعب المغوار،والدفاع عن الدين الذي أراد (أذناب) الفرس وكلاب (مران) خدشه وتشويهه بتلك المعتقدات الزائفة والضالة التي ما انزل الله بها من سلطان..
فشهدت ميادين الحرب والوغى والبطولة والفداء معارك حامية (الوطيس) فسقط من سقط وجُرح من جُرح،وأكتظت المقابر بالشهداء،ولاتزال حتى اللحظة تتلقاهم أفواج،وكان للأبطال ما أرادوا ومرغوا (أنف) الكلب المسعور وحلفاؤه في التراب،وعادت الحكومة وشرعيتها إلى الجنوب (نافشة) ريشها تسير بزهوٍ وفخرٍ وخيلى لمجدٍ صنعهُ الشرفاء، وياليتها لم (تعد)! ..
فلم تأت بجديد ولم ترد الدين ولم تعترف بالجميل لهؤلاء (المقاومون) ولم تكلف نفسها عناء الإهتمام بهم،ولم تطبب مرضاهم،ولم تضمد جراحهم،ولم توقف نزيف دماؤهم،ولم تلتفت لهم البتة،بل تركتهم للإهمال واللأمبالاة وللآلام تأكل أجسادهم وتقتات باقي أيامهم،وتسلب أرواحهم من بين ثناياهم رويداً رويدا..
يصرخون..يئنون..يتوجعون.. يتألمون.. تتعفن جراحهم..تتكور ظهورهم..تتأكل أعضاؤهم.. تتناوحهم (المستشفيات)، وتتقاذفهم الدول هناء وهناك،ويتنصل المعنيون، ويتهرب المسئولون..ويمضي العمر،وتمر الأيام،وتُفجعنا الأقدار كل يومِ بجنازة تحتضنها المقابر..
كل تلك (التضحيات) الجِسام، والمواقف البطولية، والمشاهد الرجولية ذهبت أدراج (الرياح)، وتناساها المعنيون، وتنكروا لها، فجحدوا ماقدمه هؤلاء وما سطروه ، وكيف أنهم أعادوا لهذه الحكومة وشرعيتها ماء وجهها ( المسكوب)، وكرامتها ( المهدورة) ومناصبها ( المسلوبة)..
تنكرت الحكومة لكل شيء، وتناست كل شيء وبات (الجرحى) على رف الموت ينتظر الواحد تلو الآخر متى ستُزف روحه إلى بارئها ، ويوارى جثمانه هذه الأرض التي أفنى عمره من أجلها ثم من أجل شرعية لاتجيد سوى سياسة الإهمال ونكران الجميل وتجاهل بطولات وأمجاد الرجال..
مؤلم حال (الجرحى)، والأشد إيلاماً ما وصلوا إليه من إهمال وتجاهل وعدم إهتمام من قبل القائمين على ملفاتهم ومن يدعون (وصلاً) بهم في تلك الدول التي يسفّرون إليها، وكيف لايجدون عناية أو حلول أو علاج لجراحهم التي لم تأت من فراغ،وإنما كانت دفاعاً عن الدين والأرض والعرض في ميادين البطولة والشرف..
ستلاحقكم (لعناتهم) أينما حللتم أو (أرتحلتم)، ووالله مهما طال بكم الزمان أو قصُر ستقفون يوماً على شرفات هذا الواقع الذي عاشه ويعيشه الجرحى، وستتجرعون من ذات الكأس، وذات المرار، فالأيام تُداول بين الناس،وماسطره الشرفاء ستدركون معناه يوماً، ولكن بعد فوات الآوان..