تؤكد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، أن عشر محافظات يمنية (من أصل 22) وصل فيها الأمن الغذائي إلى حافة المجاعة، فيما دخلت محافظات الحديدة وتعز وصعدة مرحلة الخطر أو المجاعة المعلنة، جراء الحرب المستعرة هناك.
لا يذكر معظم اليمنيين المجاعة التي ضربت البلاد عام 1943، فقد حفرت تلك الأيام السوداء عميقا في ذاكرة من عاصروها، ولم يعش اليمنيون بعدها رفاها أو أمنا غذائيا كاملا. لكن شبح المجاعة اختفى، قبل أن يطرق ثانية أبواب "اليمن السعيد" عبر الحرب الدائرة رحاها هناك منذ نحو سنتين.
تؤكد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى أن عشر محافظات في اليمن (من أصل 22) وصل فيها الأمن الغذائي إلى حافة المجاعة، فيما دخلت محافظات الحديدة وتعز وصعدة مرحلة الخطر أو المجاعة المعلنة.
ويواجه اليمن منذ زمن سوء التغذية المزمن، وهو يعد أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط وفي المراتب الأولى عالميا، إلا أنه لم يواجه في السنوات الأخيرة المجاعة أو فقدان المواد الغذائية الأساسية على نطاق واسع، كما يحصل اليوم.
قطاف الحرب
وأدى القتال طوال نحو سنتين إلى ضرب مقومات الاقتصاد اليمني الهزيل أصلا وبنيته التحتية، وتوقف صرف منح الرعاية الاجتماعية ثم الرواتب (منذ أغسطس/آب)، وأغلقت معظم مؤسسات القطاع الخاص والمصانع والشركات، مما أدى إلى تفاقم البطالة وبالتالي ضعف القدرة على تحصيل المستلزمات اليومية.
وتشير الأرقام التي أوردتها الأمم المتحدة إلى أن هناك نقصا في المواد الغذائية وارتفاعا في أسعار الغذاء والوقود وانقطاعا في الإنتاج الزراعي، فضلا عن عوامل أخرى أدت إلى انعدام الأمن الغذائي لنحو 19مليون شخص، أي ما يقرب من 80% من سكان اليمن.
وتفيد إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن نحو 63 ألف يمني ماتوا العام الماضي لأسباب يمكن تفاديها، أغلبها متعلق بسوء التغذية.
كما تؤكد تقارير برنامج الغذاء العالمي أن أربعة من كل خمسة يمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم ولا يؤمّنون طعامهم لليوم التالي.
ويحتاج نحو 7.3 ملايين من السكان من مختلف المحافظات إلى مساعدة غذائية عاجلة، بينما يعاني أكثر من مليونين من الأطفال والرضع من سوء التغذية، بينهم نصف مليون يعانون من سوء تغذية حاد، بزيادة نسبتها 63% مقارنة بعام 2015، مما يبرز التأثير الكبير للصراع الدائر في البلاد.
وكنتيجة طبيعية للتردي الاقتصادي، تشير التقديرات إلى أن ثلاثة ملايين طفل لم يلتحقوا بالمدارس العام الماضي، فيما تفتك بالأرواح عدة أمراض بعضها لم يعهد اليمنيون وجوده، مثل حمى الضنك والكوليرا وشلل الأطفال، وسط انهيار للنظام الصحي.
حلول ظرفية
وجات "صيحة الفزع" من المنظمات والهيئات الدولية جراء حدة القتال على طول الساحل الغربي لليمن، والقيود المتزايدة المفروضة على دخول السلع الأساسية.
وأكد المسؤول عن العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، أن خط المساعدات الحيوي الذي يمر عبر ميناء الحديدة وموانئ أخرى بات يُقطَع، وهو ما يمثل عبئا ضخما على مساحة كبيرة من الأراضي اليمنية يعيش فيها ملايين البشر.
ويحذر مراقبون واقتصاديون من أن استمرار الحرب بآثارها المدمرة على جميع القطاعات سيؤدي حتما إلى كارثة إنسانية حقيقية، وطالبت الأمم المتحدة أواخر فبراير/شباط الماضي بتوفير 2.1 مليار دولار من أجل الغذاء ومساعدات ضرورية أخرى يحتاجها ملايين الجائعين.
وتقر الأمم المتحدة أن المساعدات الغذائية قد تنفد في مدة قصيرة، وطالب أوبراين قبل أيام المانحين الدوليين بزيادة مساعداتهم لتفادي الأسوأ في اليمن.
وناشدت المنظمة الأممية أطراف القتال في اليمن بتيسير إيصال المساعدات لتفادي حدوث مجاعة رهيبة، رغم أن المساعدات ليست الحل الجذري في ضوء الحرب المستعرة وغلق منافذ التوريد في بلد يعتمد بنسبة 90% في توفير احتياجاته على التوريد.
وكانت منظمة أوكسفام الخيرية قد قالت إن السبيل الوحيد لتفادي المجاعة هو الوقف الفوري لإطلاق النار، وربما يشاطرها في الرأي الكثير من اليمنيين، حيث الخيار أصبح بين الموت البطيء جوعا أو بأدوات الحرب المختلفة، ما لم تضع أوزارها سريعا.