ضمن النشاطات الأسبوعيّة لنادي حيفا الثقافي كانت الأمسية الثقافية للباحث والمربي فوزي ناصر حنا وإشهار كتاب بحثه "نباتات وحكايات" في قاعة كنيسة يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، برعاية المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ/ حيفا، وذلك بتاريخ 2-2-2017 وبحضور كبير من أصدقاء وأقرباء وأدباء ومهتمين، وقد تولى عرافة الندوة الإعلامي نايف خوري بعدما رحب المحامي فؤاد نقارة رئيس النادي بالحضور، وتخللت الأمسية مداخلات لكلّ من المهندس إلياس أبو عقصة، والشيخ نمر نمر، والإعلامية سوزان دبيني، وتساؤلات من قِبل د. أنور جمّال والأستاذ عادل مهنا ود. محمد صفوري، وقدم "منتدى الكلمة" بممثليه د. فرحان السعدي ود. نبيل طنوس درع تكريم للمحتفى به، وفي نهاية اللقاء شكر الأستاذ فوزي ناصر الحضور وكلّ من حضر وساهم في تنظيم وإنجاح اللقاء، وتمّ التقاط الصور التذكارية أثناء التوقيع!
مداخلة الإعلامي نايف خوري: أسعد الله مساءكم بكلّ خير ومودّة ومحبّة، محبّة النباتات للأرض ومحبّة الأرض للنباتات، وبقدر ما هذه العلاقة وثيقة الأواصر، بل تتعلق شرايينهما وأوردتهما بعضها ببعض، فلا أرض بدون نبات ولا نبات بدون أرض، فكيف هو الحال إذا رافقت كلّ نبتة قصّة وحكاية وأسطورة؟ وكيف هو الحال إذا أبحر كاتب نباتات وحكايات في أعماق التاريخ، بين المثولوجيا والخرافة، وبين الأسطورة والحكاية، وأتانا بباقات من أجمل القصص وأحلى الحكايات، وضمّخها بعبق الجليل وشموخ الكرمل، والتقاء الأغوار بالسهول؟! كتاب "نباتات وحكايات" الذي نحن بصدده، وضعه بعناية فائقة الأستاذ المرشد فوزي ناصر حنا. الأستاذ فوزي ترتبط جذوره بمسقط رأسه، إقرث البلدة الحبيبة، وتتّحد عروقه بينابيعها، وتتأصّل أنفاسه بكنيستها، كيف لا وهو من وطئ ترابها المقدّس ولعب بحجارتها المباركة؟! إقرث الصامدة بأهلها تنعكس على كتابات أبي طارق، فقد راح إلى الإرشاد السياحيّ كدليل في أرجاء هذا الوطن، وخاصّة في الجليل وتحديدا في إقرث. نباتات وحكايات ينضمّ إلى نصف دزينة من المواليد الأدبيّة الرائعة، وقد استخدم بعضها ككتب تدريس ومنها: قاموس الوطن، ما وراء الأسماء، وتشهد الجذور، على دروب الجليل، وأخيرًا نباتات وحكايات. أحبّتي، إنّ النادي الثقافي في كنيسة يوحنا المعمدان، بإدارة المحامي فؤاد نقارة ولفيف من مُحبّي الكتاب، يتقدّم بخطى حثيثة للسنة السابعة، وقد تكللت أمسياته بنجاحات منقطعة النظير، وها نحن نلتئم في هذه الأمسية تحت كنف مار يوحنا المعمدان، أو يحيى، كي نُحيي أمسية دافئة أخرى بين الحنين إلى الماضي وتعميق الجذور، وبين الصمود في رحاب الوطن والمستقبل الثقافيّ. أتمنّى لكم أمسية ملؤها عبق الحبق والزعتر والنرجس والسوسن والغار، مع المُتكلمين في هذه الأمسية الكاتب الشيخ نمر نمر، والمهندس إلياس أبو عقصة، والأديب فوزي ناصر حنّا.
الشيخ نمر نمر معلم متقاعد، كاتب مقالة سياسية/ أدبيّة وقصّة قصيرة، ومترجم أدب عبري إلى العربيّة وبالعكس، مرشد سياحيّ ذو اهتمامات بالتراث والمجتمع، أحد قادة لجنة المبادرة الدرزيّة المُناهضة لتجنيد الشباب الدروز، محاضر عن التراث العربيّ والمجتمع العربيّ في المحافل اليهوديّة. مقيم في حرفيش.
المهندس الياس أبو عقصة: بدأ حياته العمليّة مهندس كهرباء، خرّيج جامعات ألمانيا، ثمّ اتّجه إلى الإرشاد السياحيّ منذ أكثر من 20 سنة، ويُرشد باللغة الألمانيّة، كاتب مقالة سياسيّة أصدر كتابًا عن تاريخ الكنيسة العربيّة، وهو عضو قياديّ في الحزب الشيوعيّ. نلاحظ أنّ كلا من الشيخ نمر والمهندس إلياس يعملان في حقل الإرشاد السياحيّ، كالأستاذ فوزي، فهم زملاء وأصدقاء وأوفياء..
الأستاذ فوزي ناصر حنّا: معلم جغرافية متقاعد، مرشد سياحيّ نشط في إرشاد مجموعات حجّاج أجانب، ومجموعات محلّية في الطبيعة، والمجتمع العربيّ والقرى المُهجّرة. يكتب الشعر والقصّة القصيرة والمقالة، ينشر في الصحف منذ 40 عامًا، أوّل من أقام ناديًا عربيًّا لمعرفة الوطن في المجتمع العربيّ، وهو نادي معالم الوطن الفعّال في الناصرة منذ 1990. الأستاذ فوزي تربطني به وشائج القربى والصداقة والمودّة، فنحن من ذات الطينة الإقرثية وذات الهواء الإقرثيّ، وذات النضال والصمود نحو العودة إن شاء الله.
مداخلة الشيخ نمر نمر: "من هنا نبدأ، لكي لا تحرثوا في البحر"، هكذا كتب المفكّر المصريّ خالد محمد خالد قبل عقود خلت. دعوني أبدأ من إقرث وكفربرعم، هما شقيقتان كما نباتات وحكايات فوزي، حتى قرار المحكمة العليا داست عليه حكومات (إسرائيل) المتعاقبة طيلة أكثر من ستةعقود خلت، هذا القرار الذي أعاد الحقَّ لأصحابه بالعودة نظريًّا، أمّا عمليًّا، فقد منعت الحكومات الإسرائيليّة تطبيقَ هذا لقرار، وكما أنّ طائرَ الفينيق ينهض من الرماد، فمعاذ الله أن يكون الأقارثة والبراعمة من الرماد، إنّهم أحياءٌ يُرزَقون، فالأجداد والأبناء والأحفاد والجيلان الرابع والخامس لا زالوا معًا ينتظرون العودة.
يُعرّجُ فوزي في جديده على 32 نبتة من نباتات البلاد، كلّ نبتة لها حكايتها وأسطورتها ووصفها، كما يُعرّفنا على 33 من الآلهة الأسطوريّة: أبولّو إله النور والحكمة، حتّى هيليوس إله الشمس في بلدة قدس الجليلية. هذا الجديد ألبومٌ حيٌّ ناطق، تتجلّى فيه مواهب فوزي الأدبيّة الفنّيّة التعددّديّة والوطنيّة الأمميّة والأخلاقيّة، فالرقم 33 يعيدنا إلى سنوات عمر السيّد المسيح على الأرض، والاسكندر المقدوني، إذ عاش كلّ منهما 33 سنة، فهناك 67 نصًّا موزّعة كالتالي: 42 نصًّا من العهد القديم، و11 نصًّا من العهد الجديد، و12 نصًّا من القرآن الكريم، فيها تسامح دينيّ.
أشار إلى تواضع زهرة عصا الراعي (الزقوقيا)، حتى اتخذها سليمان الحكيم تاجا له، لماذا يا أخي فوزي تعود بنا إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة، فها هو ملك إسرائيل الحالي بيبي نتنياهو وملكته سارا ياهو، هما للتواضع وللخشوع مثالٌ يُحتذى به، اللهمّ ماعدا هدايا السيجار والشمبانيا الورديّة من الملياردير ميشلين! وكأني بك تعودُ بنا إلى قول المتنبّي: "أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا/ وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ"، وتعطينا العبرة من كوز الرمّان الذي يملأ القلبَ بالإيمان، وتبقى متفائلا رغم اكفهرار الغيوم وتكاثف الضباب، فيعطي صورة بألوان الطيف الشمسيّ، مع قول الشاعر الشيخ ناصيف اليازجي في عروس الزهر الوردة: "هذي عروسُ الزهرِ نقطها الندى/ بالدُّرِّ فابتسمت ونادت معبدًا/ لمّا تفتّقَ سِترَها عن رأسها/ عبثَ الحياءُ بخدّها فتورّدا/ فتحَ البنفسجُ مُقلةً مكحولة/ غمزَ الهزارُ بها فقام وغرّدا/ وتبرّجتْ ورق الحمام بطوقِها/ لمّا رأينَ التاجَ يعلو الهدهدا/ بلغ الأزاهر أن ورد جنانها/ ملك الزهور فقابلته سُجّدا/ فَرَنَا الشقيقُ بأعين مُحْمَرَّةٍ/ غضبًا وأبدى منه قلبًا أسودا/ بسط الغديرُ الماءَ حتّى مسّه/ بردُ النسائم قارسًا فتجمّدا/ ورأى النبات على جوانب أرضه/ مهدًا رطيبًا لينًا فتوسدا/ يا صاحبي تعجبًا لملابس/ قد حاكها مَن لم يمدّ لها يدا/ كلّ الثياب يحول لون صباغها/ وصباغ هذي حين طال تجدّدا".
إنسانيّتك وأمميّتك الأستاذ فوزي ناصر أبو طارق تعيدُنا الى الصوفيّ محيي الدين بن عربي القائل في التسامح والحبّ الإنسانيّ: "لقد كنتُ قبلَ اليوم أنكِرُ صاحبي/ إذا لم يكنْ ديني إلى دينِه داني/ لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ/ فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان وبيتٌ لأوثان/ وكعبةُ طائفٍ وألواح توراة ومصحفُ قرآنِ/ أدين بدين الحبِّ أنّى توجّهتْ ركائبه/ فالحبُّ ديني وإيماني".
أبوطارق فوزي ناصر حنّا ونكبة الأقارثة والبراعمة وأبناء شعبنا الفلسطينيّ الذي يُصلب يوميًّا، يُعيدُنا إلى صلب الصوفيّ الكبير الحلّاج عام 922م في بغداد بتهمة الكفر والإلحاد والزندقة، وهذا ما يحدث اليوم في (بلاد العرب أوطاني). الجلاد بترَ يدَ الحلّاج المصلوب ثمّ رجله، فيده الثانية فرجله الثانية، فمرّ بجانبه أبو بكر الشبليّ فقال له الحلّاج: أمعكَ سجّادتك؟ اُفرشها لي. استغرب أبو بكر الشبلي حين رأى الحلاجَ يمسحُ وجهه بدمه وببقايا يديه المبتورتين، فقال الحلّاج: "لقد نزف من جسمي دمٌ كثير فاصفرّ وجهي، أرجو ألّا تعتقد أنّي أخشى الموت، لذلك أمسح وجهي بالدم، فلا يحمرُّ خدُّ الرجل إلّا بدمه، هما ركعتان في العشق لا يصحُّ وضوئهما إلّا بالدمِ"!
هذا هو حالنا في وطننا، وإذا ما اقتبست ما كتبه الكاتب فتحي فوراني الصفديّ النصراويّ الحيفاويّ من الغلاف إلى الغلاف أقول: كتبتَ الإهداء: إلى زوجتي أولادي وأحفادي، إلى أبناء شعبي وكلّ عاشق للوطن. وفي الغلاف الأخير عرّفت نفسك بمرشد سياحيّ، وتعيدنا الى العندليب الأسمر في أغنيته (سوّاح): "سوّاح وماشي في البلاد سوّاح/ والخطوة بيني وبين حبيبي براح/ مشوار بعيد وأنا فيه غريب/ والليل يقرّب والنهار روّاح/ وإن لقاكُم حبيبي سلّمولي عليه/، طمّنوني الأسمراني عاملة إيه الغربة فيه/ سوّاح وأنا ماشي ليالي سوّاح/ ولا داري بحالي سواح/ من الفرقة يا غالي سوّاح/ إيه اللّي جرالي سوّاح".
هكذا أنت أبا طارق السوّاح والمرشد لمعالم الوطن، وأنهي كلمتي بشكري لقرينتك أم طارق وللأسرة، وكما قال رشيد معلوف: "ربّي سألتك باسمهنّ أن تفرشَ الدنيا لهنّ/ بالوردِ إن سمحتْ يداك وبالبنفسج بعدهنّ/ حبُّ الحياةِ بمنّتين وحبهنّ بغير مِنّة/ نمشي على أجفانهنّ ونهتدي بقلوبهنّ/ فردوسهنّ وبؤسهنّ ببسمةٍ مِنّا وأنّه/ سمّارنا في غربةِ الدنيا وصفوة كلِّ جنّة/ ربّي سألتك رحمة وجهَ السماءِ ووجههنّ/ فامسح بأنملك الجراح وردّ أطراف الأسنّة/ لتطلّ شمسك في الصباح وكلُّ أمٍّ مطمئنّه"
مداخلة المهندسإلياسأبوعقصة:الحضور الكريم، نجتمع في هذه الأمسية احتفالًا بنضوج آخر عنقود لهذا الموسم على كرمة فوزي ناصر حنّا، هذا الكاتب الباحث الشاعر، والمعلم المرشد الدليل، والإنسان المتواضع السلس، صاحب النقفات والنكات المميّزة، والشاهد على ما يدور حوله من بَشر وحجر وشجر، ومن طيرٍ يُغرّد وحيوان يدبّ على أربعة وعلى اثنتيْن أيضًا.فوزي ناصر وطنيٌّ حتّى النخاع، تربّى على حبّ الوطن والأرض والعرض، وانعكست شخصيّته في كتاباته برفق وسلاسةٍ ووضوح مُعبّر بلا رتوش، فأغنانا بالمعرفة والتدقيق بالمعلومة وما خلفها وما أصلها، وأصاب الهدف (هيك دوز دغري بلا لفّ ولا دوران.درس وعلّم الجغرافيا، ونكش الأرض بعوده باحثا مُنقبًا، ورسم ووصف تضاريس الأرض وتجاعيدها وغاص في أعماقها ووديانها وأخاديدها، ولم يبخل على دروبها وأسمائها ولا نباتاتها.
أتقن الرسمَ وفنّ الحكاية، فجبَلها بالتاريخ والجغرافيا والشعر والأدب، ليكون منتوجه على ما يرام .انعكست شخصيّته على أعماله: (ما وراء الأسماء، على دروب الجليل، قاموس الوطن، دروس في الجغرافيا، تشهد الجذور)، أسّس نادي معالم الوطن في 1990 في الناصرة، ولا يزال يجول في ربوعه مع أصدقائه، واليوم هذا الإنتاج الخاصّ جدّا "نباتات وحكايات"، حيث سرح فينا بأسلوبه الشيّق من النبتة إلى القصّة والأىسطورة، مُتنقلا بين ثقافات الشعوب وحضاراتها. عرفته عن قرب عندما درسنا سويّا موضوع الإرشاد السياحيّ، وخلال السنتين من فترة الدراسة توثقت العلاقة، واكتشفت فيه رقّة إحساسه وأسلوبه المُعبّر ولطف نكتته وتواضعه. في إحدى جولاتنا التعليميّة سنة 1998 في منطقة الجنوب، كان الموضع "الجبهة الجنوبيّة عام 1948" مع المرشد آرييه يتسحاكي، وهذا صهيونيّ حتّى النخاع وعسكريّ متعجرف. بدأ يشرح لنا عن المعركة مع القوّات العربيّة، وشدّد على بطولاته وقتاله بوصف دقيق، لدرجة أنّ الجنديّ ينطّ من الشبّاك ويتدحدل ثلاث أربع مرّات ويصوّب على العربيّ، ثمّ ينطّ على الشجرة ووووو، فقال أبو طارق بخفة دم وبصوت جهوريّ واضح: هذا مثل رامبو، فضحك الطلاب العرب، واستغرب البطل ضحكنا، فأجابه أبو طارق بالعبريّة:هذا فيلم سينما؟! بهذا لمست الدعابة والنكتة اللطيفة بأسلوبه الشيّق.
قبل فترة التقينا صدفة مع مجموعاتنا في القدس، وكان المرشد أمامي ولم أعرفه حتى اقتربت منه، وألقيت عليه التحيّة قائلا: ما عرفتكش من ورا، في ناس وجهها وظهرها مثل بعض، فأجاب ضاحكًا: بس أنا مش عن الشكل فقلت له: عشان هيك معرفتكش. وحين كنت أتعلم استخدام الفيس بوك، ضغطت دون قصد على عدّة أحرف، لتتكوّن بعدها كلمة غريبة عجيبة وارسلتها دون قصد، وما هي إلّا لحظات حت يردّ أبو طارق: هاي الكلمة اللي بدَوّر عليها. أجبته: الغشيم بدّو وقت، وأنا أبحث كيف أمحوها. وحالًا كتب صديق آخر: شو هذا أبو ليلى، اُكتُبْ عربي! وكتب آخر: شو معناها؟ ردّ أبو طارق: كنت بدّي أترجمها. فأجبته: لا ممنوع لئلّا يفهموا علينا.
كتابه الأخير كان قاموسًا لي، فعندما أهداني إيّاه، لم أتوقّع ما أقرأ، فأيّ صدفة في ذلك اليوم وأثناء دورة دراسيّة جديدة، كانت المحاضرة عن الميثولوجيا عند الشعوب، فجاء الكتاب ليُعبّر بأحلى أسلوب وأغنى معلومة عن الترابط بين النبات والأشجار بحياة الناس وثقافتها وأساطيرها، وعلاقتها المشتركة مع الآلهة في العصور الغابرة، والمتصفّح في مساهماته المتعدّدة يكتشف أنّ بين ايدينا كُتب مغايرة، هي دراسات ومراجع، والكثير منها دليل سياحيّ ورسومات ومخطوطات فنّيّة، كُتبت بوضوح وباختصار لا تُتعب القارئ، وتجمع ما بين المعرفة والثقافة العامة والتوثيق التاريخيّ لقرى مُهجّرة وشعب مظلوم مشرّد، ومُفتّشًا عمّا يَجمع هذا الشعب من تاريخ وتراث يربطه بهذا الوطن الذي ليس لنا وطن سواه. كاتبنا أبو طارق نشيط بالتجديد والإبداع، ومَن يتابع تغريداته على الفيس بوك يكتشف مدى ارتباطه بالناس وقضاياها، ويوميّا يكتب ويفتح أبواب نقاش، ويردّ بأسلوبه المعروف بجرأته المعهودة الهادفة، فسألته مرّة تلفونيّا عن تغريدة معيّنة وسبب نشرها، فأجاب: خلّي الناس تفكر.. من تغريداته: المعلم الذليل لا ينشئ جيلا ذا كرامة. أهمّ شيء أن تكون التجارة بالمادة فقط لا بعقول البشر. الاحترام والخوف ليسا توأميْن. ظاهرة خطيرة مَن يُسيطر على كيانه انتماؤُه الدينيّ، لدرجة انقطاعه التامّ عن انتمائه الوطنيّ والعربيّ والإنسانيّ، فسيحزن لحزن مَن على دينه في أندونيسيا، ويفرح لحزن جار ليس على دينه! أحيانًا تخونني جرأتي، فأمتنع عن كتابة رأيي بموضوع ما، خوفًا من أن تنفتح في وجهي أبواب جهنم. في نهاية السنة، ليُسامحني مَن قصّرت معه أو أسأت إليه. كتاباته وكتبه وأبحاثه هي مجموعة من الإنسكلوبيديا في محتوياتها التي وضعها بين أيدي القرّاء بأسلوب خاصّ، لنفهم معانيها ومصادرها وأسبابها،هي مجموعة جامعة غنيّة وجديرة بالاهتمام، دمت يا أبا طارق أستاذ فوزي ناصر حنّا، وفّقك الله وزادك قدرة على العطاء.
مداخلة الإعلاميّة سوزان دبيني: فوزي ناصر رفيقُ درب، معرفتي به تعودُ إلى أكثر من عشرين عامًا، حيث كنت عندها أقدّم برنامجًا إذاعيًّا في صوت إسرائيل باللغة العربيّة يحمل اسمَ "رايحين مشوار"، ومن خلال هذا البرنامج تعرّفت بالصديق والمرشد السياحيّ الرائع فوزي ناصر، والذي أصبح جزءًا لا يتجزّأ من البرنامج، كان يشاركني أسبوعيًّا بتقديم زاوية مسار في الطبيعة، ولم يترك مكانًا في البلاد إلّا وتحدّث عنه، وأعطى المعلومات القيّمة المُثرية، وكان يتحدّث عن النباتات والأشجار والأساطير التي تدور حولهم، ويقدّم المعلومات حول الأماكن الأثريّة والسياحيّة، وكان كلّ مَن يستمع لهذا البرنامج على مدى هذه السنوات، أنا متأكّدة أنّه اكتسبَ مُجلّدًا من المعلومات عن بلادنا. لقد دامت هذه الزاوية في برنامجي لأكثر من عشر سنوات، استطاعَ المُحتفى به الليلة من خلالها تغطية جميع مناطق البلاد السياحيّة، حقّا فوزي ناصر موسوعة متحرّكة، وكلّ ما أرجوه من الله أن يُطيلَ في عمرك أيّها الغالي المعطاء، وأرجو المعذرة إن قصّرت في حقك بالثناء الذي تستحقّ، فمداخلتي فوريّة وعفويّة صادرة من القلب.
مداخلة الأديب فوزي ناصر: أشكر أوّلًا إدارة النادي الأرثوذكسيّ على استضافتي، وأشكر الإخوة نايف خوري ونمر نمر وإلياس أبو عقصه وبعد. أبدأ باسم الكتاب الذي لا يدلّ على ما يحتوي، فالحقيقة أنّه يحوي أساطير دينيّة، خشيت أن أُلام إن أسميتُها كذلك في مجتمعنا المحافظ، وإن كان الكتاب وليد عمل سنوات خمس، فإنّ التفكير باسمه فاقَ هذا الجهد. هي أساطيرُ تربط النبات بالسماء لا بالأرض، وقد اخترت نباتات بلادنا فقط، لأنّ هدفي خدمة أهل بلدي، من خلال تعريفهم بهذه الأساطير التي اتّخذت مكانها في التراث الدينيّ على مرّ العصور، وما دفعني للكتابة أمور ثلاثة:
1* أنّ الحضارة والتراث الدينيّ والقصص أشبه ببناء ذا مداميك، يعتمد كلّ مدماك على ما سبقه، ويُشكّل قاعدة لِما بعده، فهناك العديد من زوايا إيماننا اليوم وليدة ديانات سبقتنا بقرون، فالوحي الذي نؤمن به آمنت به أمم سبقتنا، وتجسُّد الآلهة والتزاوج بينها وبين بني البشر، وقدسية المكان والنبات والعيون، كلّ هذا تراث عالميّ تضرب جذوره في عمق التاريخ. 2* ذلك السّحر في لفت انتباه المستمع، إن هو سمع ما لا يستوي مع العقل والتفكير، فتراه ينصت وينجذب للشرح، وهذا يُعينني كمرشد. 3* لاحظتُ كم من عادات نمارسها ولا نعرف أبعادها وجذورها، فهل سأل أحد نفسه لماذا نزيّن شجرة الميلاد؟ ولماذا نحمل سعف النخيل في أحد الشعانين، الذي يسميه المصريّون أحد السعف؟ ولماذا يُقدّم التمر في بيوت العزاء؟ وما علاقة النخيل بالجنائز والحجّ؟ ثمّ، لماذا يُسمّي الأوروبيون عروس الغاب شجرة يهودا؟ ولماذا تسمّى المبالغة بحبّ الذات نرجسية؟ ولماذا دُعي الورد مَلكُ الزهور؟ ولماذا تُسمّى زراعة البعل بهذا الاسم؟ كلّ هذا وتساؤلات كثيرة غيرها، تجد أجوبة لها بين دفتي هذا الكتاب، فالنخيل مثلًا رمزٌ لتجدّد الحياة والخلود، لدى شعوب كثيرة منذ آلاف السنين، وعادةُ تزيين شجرة الميلاد عادة وثنيّة جرمانيّة انتقلت للمسيحيّة في القرن الثامن للميلاد فقط، وهنالك قصص وتفسيرات كثيرة لا مجال للتطرّق لها الآن.