تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية ما يمكن اعتبارها عملية مواءمة بين الأفكار والمبادئ التي يتبناها وزراء الحكومة اليمينية الحالية، وبين النهج السياسي الذي من المتوقع أن يتبناه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في محاولة لمنع حدوث تضارب أو سوء فهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لا سيما أن المؤشرات العامة تدل على أن الخلافات حول الملفات الأساسية بين واشنطن وتل أبيب في ظل إدارة ترامب ستكون طفيفة أو منعدمة، لذا فإن الحديث يجري حاليا عن وضع أسس لإدارة تلك العلاقات.
ويقود وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وبشكل غير متوقع، خطا سياسيا جديدا، يطلق عليه “اليمين البراغماتي”، يتلخص دوره في التخفيف من حدة المواقف والتصريحات التي يتبناها وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية أو أعضاء الكنيست، ممن ينتمون لحزب “البيت اليهودي” بوجه خاص، والتشاور مع واشنطن في الخطوات التي تعتزم تلك الحكومة القيام بها على الأرض، لا سيما بشأن منظومة الاستيطان في الأراضي المحتلة.
ويعتقد ليبرمان، أن السنوات الماضية شهدت الكثير من التصريحات الحادة من جانب وزراء اليمين، الذي ينتمي إليه، وأن شخصيات يمينية متطرفة طالما أحدثت ضجة بسبب تصريحات ومواقف داعية لتعزيز المنظومة الاستيطانية في الضفة الغربية، دون أن تحقق النتائج المرجوة، ولكنها على النقيض، أدت إلى إحراج الإدارة الأمريكية الديمقراطية، وتسببت بخلافات حادة مع الرئيس باراك أوباما، ربما كان بالإمكان تجنبها وتحقيق نتائج أفضل.
الخط اليميني
وعلى هذا الأساس، يقوم ليبرمان حاليا بتجهيز نفسه لتبني الخط اليميني البراغماتي الذي تحدث عنه، ويبدو أن هذه الخطوة تعني أنه سيتولى دورا أكبر في مسألة التنسيق مع الجهات المختصة بالإدارة الأمريكية الجديدة والبنتاغون، وهو دور طبيعي لوزير دفاع إسرائيل، الذي يتوقع سخاء أمريكيا غير مسبوق، ومن الطبيعي أن يقود بنفسه المشاورات مع واشنطن بشأن عدد من القضايا، طالما أن ثمة توافقا كبيرا مع إدارة ترامب بشأنها.
وعكست كلمة ليبرمان التي ألقاها اليوم الخميس، أمام رابطة السلطات المحلية الإسرائيلية الوضع المشار إليه، حيث أكد على ضرورة العمل من أجل تحقيق نتائج والتوقف عن إثارة المشاكل مع واشنطن، ما يعني أن ليبرمان الذي أثار توليه منصبه قبل خمسة أشهر تقريبا حفيظة شخصيات عديدة في إدارة أوباما، يلبي حاليا توقعات الديمقراطيين بشأن التشاور معهم في أي خطوة مزمعة، قبل شهرين تقريبا على مغادرتهم البيت الأبيض، ما يعني أن سياساته الجديدة مرتبطة بدخول ترامب للبيت الأبيض.
مواقف جديدة
وتركز مواقف ليبرمان الجديدة على مسألة الاستيطان، وهي مسألة حاسمة ولا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الأهداف الصهيونية، بما في ذلك في ثوبها الديني الذي يقوده التيار القومي، والذي ينتمي إليه هو ورئيس حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت، لذا فقد جاء حديثه عن التنسيق مع إدارة ترامب مركزا على مسألة الاستيطان.
ولا يعارض ليبرمان البناء في المستوطنات اليهودية بالأراضي الفلسطينية المحتلة بالطبع، ولكنه اطلع على نتائج المشاريع الاستيطانية في السنوات الأخيرة، ليكتشف كما أكد في كلمته أن الكلام كان أكبر بكثير من الفعل، لكنه يسعى بشكل يبدو منسقا مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لتنسيق جميع الخطوات في هذا الشأن مع إدارة ترامب، والتي لا ترى في المجمل أن البناء بالضفة الغربية أمر غير شرعي.
وطالب ليبرمان من وصفهم بـ”اليمين غير المنظم” وهو في الغالب يقصد جميع الداعين لتوسيع المستوطنات وإطلاق المزيد من مشاريع ومناقصات البناء، سواء من الوزراء أو رؤساء المجالس البلدية أو المنظمات الصهيونية النشطة في هذا المجال، بالصمت وعدم استغلال الملف لتحقيق مكاسب خاصة، طالما بالإمكان تحقيق كل شيء بالتنسيق مع إدارة ترامب، ومن ثم تغيير الوضع القائم وتحقيق ما يدعو إليه هؤلاء دون صخب.
وعلى الرغم من يقينه بشأن سخاء الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن ليبرمان أبدى أيضا بعض المخاوف الطبيعية بشأن موقف هذه الإدارة من ملف الاستيطان، وإذا ما كانت ستطلق العنان بلا قيود أم لعلها ستسعى للعمل بطريقة جديد غير تقليدية وغير متوقعة، لذا طالب وزير الدفاع الإسرائيلي بضرورة التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية بما يسمح بالبناء في التجمعات الاستيطانية، والكف عن العمل أحادي الجانب.
آمال اليمين المتطرف
وخيّب ليبرمان آمال اليمين المتطرف، بشأن موقفه من إخلاء مستوطنة “عمونا”، وهذا الملف بالتحديد يعد الكارت الرابح لجميع الشخصيات المنتمية لهذا التيار والتي تسعى لتعزيز موقفها بين أنصار توسيع المستوطات، والذين لا يكفون عن انتقاد قرار المحكمة العليا الأخير بشأن إخلاء تلك المستوطنة.
أما عن أسباب خيبة الأمل التي مُني بها اليمين المتطرف، فقد جاءت عقب تصريح ليبرمان، أن قرار المحكمة واضح والحكومة هي المسؤولة عن إخلاء المستوطنة، كما أن عليها البحث عن حلول حتى اللحظة الأخيرة، محملا المسؤولية على عاتق وزارة الاسكان التي باعت أراضي ووحدات سكنية للمستوطنين رغم علمها بأن الحديث يجري عن مستوطنة غير شرعية.
وعلى هذا الأساس شنت العديد من الشخصيات اليمينية الإسرائيلية هجوما حادا ضد ليبرمان، وهو هجوم طبيعي سواء أكان الأمر منسقا أم عفويا، لكن الأهم يتعلق بخطوة عملية ربما تعد استباقا للسياسة التشاورية التي ستتبعها الحكومة الإسرائيلية بعد شهرين، أو صفعة أخيرة لإدارة أوباما التي لم تتوقف عن انتقاد قوانين وقرارات تخص هذا الملف.
قانون التسوية
وصادق الكنيست أمس الأربعاء بالقراءة التمهيدية على قانون التسوية، وهو قانون مشبوه يسمح لقوات الاحتلال بمصادرة أراض فلسطينية خاصة وتعديل أو عمل وثائق جديدة بنظام حق الانتفاع، ومن ثم تسليمها لطرف مستفيد، سيكون في الغالب أفرادا أو هيئات يهودية ستباشر استغلالها في مشاريع استيطانية، ضمن ما يطلق عليه الإعلام الفلسطيني حاليا “تبيض البؤر الاستيطانية”.
وتفيد مصادر، أن وزير المالية، موشي كحلون، وهو رئيس حزب “كولانو” الوسطي الائتلافي، كان يعارض بشدة هذا القانون، وبالتالي لم يكن ليمر من القراءة التمهيدية، لكنه عدل عن موقفه في اللحظات الأخيرة وصوت لصالح القانون، بعد أن تلقى وعدا من رئيس حكومته نتنياهو، بأنه لن يطرح للتصويت بالقراءات الثلاث الأخرى، حتى يتم التوصل إلى حل آخر لهذه القضية.
ويرى بعض المراقبين، أن التفسير المبرر الذي ساقه نتنياهو ربما يتعلق بانتظار دخول ترامب للبيت الأبيض وفهم طريقته في التعامل مع مثل هذه الملفات، وفي المقابل عدم استفزاز إدارة أوباما في الوقت الراهن، في وقت تخشى فيه الحكومة الإسرائيلية أن تُقدم على خطوة معادية لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خلال الفترة القريبة المقبلة فيما يتعلق بمنظومة ضد الاستيطان.
المصدر : ارم نيوز