تسعة أيام فقط كانت هي الحد الفاصل للوصول إلى تحقيق النصر في مساحة مترامية الأطراف ذات تضاريس جبلية وعرة ، فيما أكثر من أربعمائة يوم شكلت اكبر هزيمة في تاريخ الجيش اليمني على ارض منبسطة ساحلية لاتتجاوز مساحتها عشرات الكيلو مترات وامتلك الجيش خلالها قوام عدة وعدد يضاهي الأخرى بإضعاف وتدخلت فيها كل أنواع الأسلحة بما فيها القوات البحرية اليمنية والأمريكية والأوربية على العكس من الأخرى التي قوامها محدودا .
مفارقات المقارنة بين الحالتين كانت عجيبة من حيث معطياتها وما أفرزته علي ارض الواقع ، وإذا ما عرف السبب بطل العجب ،فقد قاد الأولى قادة أفذاذ كانوا في طليعة الصفوف يتقدمون جنودهم أنجبتهم المحافظات الجنوبية المعطاءة ورضعوا من ترابها وتشرفت بهم ميادين الفداء والتضحية ، علي العكس من المهمة الأخرى ( مهمة الهزيمة ) وهي في نظرهم انتصارا والتي قادها عسكريون محسوبون على المحافظات الشمالية ولم يكن يعنيهم تحرير المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرة أنصار الشريعة بل على العكس فقد عملوا على تمكين تلك العناصر من بسط نفوذها على تلك المناطق وأمدوهم بالعدة والعتاد ووسائل البقاء والاستمرار .
ذات يوم من شهر فبراير 2012 بينما كنا نواري الثراء في مقبرة الممدارة احد ضباط الأمن ، عاتبت مسئول امني كبير وقريب من مركز القرار على ما آل إليه الوضع في محافظة أبين وعدم التحرك بجدية لإعادة الاستقرار إليها ، قال لي (( ابشروا خلاص الان با يتحمل المهمة قادة جنوبيون ، وبا تشوف كيف باتسير الأمور ، )) وبعد أيام صدر قرار إقالة اللواء مهدي مقوله وتعيين اللواء الركن سالم قطن قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية ( الرابعة اليوم ) ولا حقا مع ما كان لدي من شكوك مقرونة بكثير من الأدلة أدركت حقيقة ما جرى في أبين من عملية ( بيع وشراء ) وتجلت اليوم أكثر في ضوء ما يدور في منطقة المحفد بابين ومناطق عديدة بشبوة .
فقد قاد اللواء قطن ( معركة السيوف الذهبية ) بنفس عتاد وعدة سلفه مقوله ان لم يكن بامكانيات اقل وفي أسابيع قليلة استطاع قطن ان يحطم ( الفزاعة ) التي رسمها مقوله لا كثر من عام في أبين وكبد خلالها الجيش مئات القتلى والجرحى من الضباط والجنود الذين غدر بهم وباعهم بثمن بخس وكلف البلد ملايين الدولارات بسبب الإنفاق على ( وهم ) المعارك والمواجهات التي زعم انه يخوضها ومن خلال ما تم تدميره وتسليمه لعناصر أنصار الشريعة من أسلحة وذخائر ومعدات واليات .
من بيديهات المهام القتالية وإدارة المعارك ان تشكل القيادة قدوة لجنودها وان تكون في مقدمة الصفوف كي تحث الجنود على الاستبسال ، وهذا ما نشاهده اليوم في ميدان المواجهات بين وحدات الجيش وعناصر تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة ، وهو ما لم يحدث أبان ما سمي بمعارك تحرير أبين في مرحلتها الأولى خلال قيادة مقوله للعملية ، ولا ينطبق ذلك على المرحلة الثانية التي تولى فيها قطن إدارة العمليات ، ففيما شاهدنا قطن بالأمس بين جنوده وفي مقدمة صفوف المواجهة وهو ما نشاهده اليوم في أبين وشبوه من خلال اللواء محمود الصبيحي قائد المنطقة الرابعة والأستاذ جمال العاقل محافظ أبين والعميد فيصل رجب والعميد شمباء وفي محور شبوة اللواء احمد محسن اليافعي والأستاذ احمد علي الحاج محافظ شبوة والعميد لبوزة وغيرهم ، وأمر تواجد القادة في ميادين المواجهات وفي مقدمة الصفوف لم نشاهده قط فترة تولي مقولة على العكس فقد كان يتنقل بين أسواق ومقائل عدن ولا كأن هناك معركة حاسمة ومصيرية تخوضها قوات هو موكل بقيادتها .
والمرة الوحيد التي ظهر فيها هي يوم 11 سبتمبر 2011 ( ركزوا جيدا على التاريخ ) حيث حشد معه وفد إعلامي تلفزيوني وظهر في استراحة المطلع مع رتل من الأسلحة والآليات المدرعة وهو نافش ريشة ولحظتها تداول الناس مقولة طريفة مفادها لوا ان هذه الأسلحة التي استعرضها مقولة خلال عملية زيارته لاستراحة المطلع قد اشتركت في المواجهات ـ وكان قد مر على سيطرة أنصار الشريعة على أبين نحو أربعة أشهر ـ لكانت كفيلة بإخراج أنصار الشريعة وتحرير أبين خلال أسبوع فقط ، حيث تبين اليوم التالي ان ( تحرير أبين ) كان فيلما من إنتاج وبطولة مقولة وإخراج الرئيس صالح الذي كان حينها على وشك الغرق ليقدم رسالة للأمريكان في يوم ماساتهم ، بأننا انتصرنا في حربنا ، وتجلت حقائق لاحقة أثبتت ان هناك اتفاقا ابرم بين قيادات من أنصار الشريعة ومقولة تقضي بالانسحاب من منطقة دوفس والمطلع لعدة ساعات حتى يتسنى لمقولة والوفد المرافق له من صحبه من تصوير المشاهد وذلك مقابل صفقة دفعت من أرواح الضباط والجنود واليات وأسلحة الجيش .
إذا ماذا تكشف لنا هذه الحقائق والمعطيات عما يدور ويتربص بالوطن والتي تقود إلى سؤال مفاده لماذا هي عادة في مواجهات القاعدة تكون المحافظات الجنوبية مسرحها وميدان معاركها دون سواها من المحافظات ، او علي توزيع تلك المواجهات والمعارك بين اتجاهات محافظاته جنوبا حينا وشمالا حينا أخرا ، ولا ننسى ان نأخذ في الاعتبار المسحة اليمنية الخالصة والمسجلة كماركة متميزة ( سمبل ) لا ولم تحدث سوى في المحافظات الجنوبية من اليمن .
وهي قيام تلك الجماعات سواء تحت مسمى أنصار الشريعة بالأمس او تنظيم الجهاد في جزيرة العرب اليوم بالسيطرة على مناطق ومحافظات وإعلانها إمارات إسلامية وبسط النفوذ والحكم فيها ، حيث وان ماهو معروف من أدبيات وإستراتيجية تنظيم القاعدة ( بمختلف تكويناته وأفرعه ومسمياتها ) على طريقة ( اضرب واهرب ) ان يقوم بعمليات ( جهادية ) خاطفة ضد مصالح أجنبية او محلية ( سفارات ، سفن ، وزارات ، مبان ، معسكرات ، نقاط تفتيش ، ضباط وشخصيات ) .
وبذلك فان ما يذهب إليه كثير من المحللين وعامة الجنوبيون صحيح إلى حد بعيد من ان ما يسمي بالإرهاب إنما هو ( صناعة ) من بعض القوى المتنفذة في صنعاء تستخدمه وتسخره لصالح تحقيق أغراض وأهداف معينة على ارض الجنوب بشكل خاص وتحركه وتسند إليه مهام وواجبات أحيانا بهدف الابتزاز او الضغط لتحقيق انفراجة وأحيانا أخرى من اجل لي ذراع قوى منافسة او لاثناءها عن موقف او قرار معين .
ولنا ان نرجع إلى خطاب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في ذكرى عيد ( الوحدة المغدورة ) يوم 22 مايو 2011 م عندما ( بشر ) بتوجه القاعدة لاحتلال عدد من المناطق بينها أبين وشبوة وحضرموت وغيرها ، وحيث ان طوفان الثورة الشبابية قد بدأت أمواجه تلاطم تحت إقدام صالح ، فلم تمض سوي سبعة أيام وإذا بأنصار الشريعة يعلنون سيطرتهم علي مناطق في أبين بغمضة عين في ضل تفوق كمي ونوعي ـ من كل الأوجه ـ لصالح قوات الحكومة ( الجيش والأمن العام ، والأمن المركزي ، والحرس الجمهوري ).
لكن التوجيهات حينها صدرت بالتسليم وعدم المقاومة فكتائب مكافحة الإرهاب وقوات الأمن المركزي بابين ( هربت ) عبر الطريق الساحلي عشية قدوم أنصار الشريعة من جعار إلى زنجبار صباح يوم الجمعة 29 مايو ، وقبل بدء المواجهة بليلة كاملة ما يعني معرفتهم مسبقا بالدور ، وقوات الحرس الجمهوري التي تم إحضارها لتشكل طوقا امنيا علي المدينة اثر تهديدات أنصار الشريعة ب ( فتح ) مدينة زنجبار انسحبت من مواقعها يوم الأربعاء وقوات النجدة بوساطة ( أهل الخير ) طلبت التسليم مقابل خروج آمن إلى عدن ، والأمن العام وفق ما تردد حينها منع من المقاومة وفقا وتوجيهات وزير الداخلية مطهر المصري ، وقوات اللواء 312 التابع للفرقة الأولى مدرع بقيادة العميد محمد الصوملي صرح انه بالكاد يحمي نفسه ومعسكره وحتى نقاط التفتيش التابعة له في مداخل ومخارج المدينة لم يسمع صراخها ونداءات الاستغاثة وطلب النجدة والمساعدة ، .
ومجمل ما حدث وتفاصيله كثيرة فقد كان توجيه ضربة لتطلعات عبدربه منصور وجماعة أبين . وإبلاغهم رسالة من تلك القوى : انتبهوا نحن نقدر نعمل الكثير والكثير في عقر داركم ) وهو ما يتجلى اليوم بأوضح صورة بهدف إرباك المشهد السياسي وتوجيه أنظار الرئيس هادي ووزير دفاعه إلى ان تلك القوى بمقدورها ان تخلط الأوراق وتفوت علي الرئيس إي خطوات او حتى ( نية ) للتغيير او الاقتراب من أوكار ومصالح تلك القوي .
وما بين المشهدين فقد نفذت كثير من أعمال التفجير والاغتيالات وكانت كلها يا اما تأتي مع الشروع في اتخاذ قرارات معينة كما حصل في اجتماع قيادات اللجان الشعبية بلودر عشية إصدار الرئيس قرارات بإعادة مئات من الجنوبيين المسرحين قسرا من القوات المسلحة والأمن او عملية العرضي حين بدأت التوجه للشروع في تحديد اتجاهات حل القضية الجنوبية في جلسات مؤتمر الحوار ، وكذا عمليات الهجوم على المنطقتين العسكريتين الأولى بحضرموت والرابعة بعدن . فالأولى كان بسبب رفض تجنيد خمسين ألف لصالح علي محسن او الأخرى للضغط على الرئيس تقديم تنازلات وارجأ اتخاذ خطوات وفقا ومخرجات مؤتمر الحوار . وقس على ذلك عمليات السجن المركزي ، وإدارة امن عدن وقيادة اللواء 115 بابين ومعسكر النشيمة وبلحاف وغيرها وجملة الاغتيالات وكلها ترافقت مع صدور قرارات بتعيينات عسكرية او الشروع بخطوات تغيير او هيكلة الجيش والأمن او مطالبة تلك القوى بما عليها من تعهدات والتزامات .
وهكذا فإننا أمام مشهد سياسي متلاطم ، تزيد من فورته وهيجان الشارع انه كلما أخذت بعض الخطوات او الإجراءات ان تؤتي أكلها بحسب ما هو بين علي ارض واقع المواجهات ومثلما اشتد الخناق قبلها في أبين ، فان هناك من تلك القوى من ينبري إلى تأليب الشارع بحجج واهية او إصدار فتاوي بعدم مشروعية المواجهات بين الجيش وتنظيم القاعدة وتكثر الوساطات وترتفع الصرخات المطالبة بالهدنة او ايقاف المعارك او بدء الحوار معه ،، وهذا ما سيكون موضوعنا القادم باذن الله .
* تقرير خاص لصحيفة "عدن الغد"