منذ زمن ليس بالقريب جدا، لم تكن أبين تذكر إلا كونها قبلة للسياحة والفن والرياضة ، وكان الناس هنا في عدن مثلا يشتاقون إلى ساحة الشهداء المعلم الرياضي والسياحي الشهير الذي ينتصب بشموخ في قلب العاصمة زنجبار، كما يشتاقون لمزرعة 7 أكتوبر وحقول الموز والمانجا وحبحب أحور، كانت فواكه أبين هي الهدية المفضلة للقادمين منها والسؤال الأول الذي سيوجه إليك إذا كنت قادما من أبين ماذا أحضرت لنا من فواكه دلتا أبين.
كما كان فنانو وشعراء ونجومها أبين الرياضيين مميزين ومبدعين ومحط إعجاب الجميع.
لكل عاشق للجمال وكل عليل بالهوى كانت أبين هي القبلة والدواء وحتى العشاق والمحبين كانت أبين وجهتهم الأولى خاصة إن صادف موعد اللقاء يوم الخميس.
وحتى يوم إن عدت أبين مدينة منكوبة في حقبة سوداء من الزمن الجنوبي، إلا أنها ظلت تحتفظ بمكانتها ،وبجمالها وإبداعها وفنها .
خرجت أبين لبعض الوقت من سلطة السياسة لكنها ظلت تمسك بزمام سلطة القلوب،وكان كل ما يأتي منها من أخبار مبعث بهجة وسرور،وظلت حدائقها وبساتينها تلملم جراح أبناءها وتلهم شعراءها ومبدعيها ،فيما ملاعبها وأنديتها ترفد كل أندية الجنوب ،وكان كل نجم قادم من أبين ماركة أصلية يتهافت الجميع عليها.
في الزمن القريب وحين دخل اللصوص إلى أبين، فنهبوا مزارعها وتملكوها، ودمروا معالمها، هجروا نجومها ولاعبيها ليشتروهم فيما بعد بثمن بخس، بل أنهم تسببوا في إصابة بعض من نجومها ومبدعيها بالجنون ،وبعضهم ترك فريسة لأمراض مستعصية دون التفاتة من احد، لتتحول بعد كل هذا أبين إلى مدينة طاردة لكل جميل وكل ماله علاقة بالحب والجمال والإبداع.
اليوم لم يعد باستطاعة من يريد الحديث عن أبين إلا إن يحدثك عن مدينة أشباح مدمرة،وعن نفوس محطمة، وعن فقر وجوع ومياه مقطوعة وكهرباء معدومة ومجاري طافحة، وأرواح تزهق دون ذنب مع إشراقة كل صباح.
مأساة أبين التي باتت تحكم اليوم كل اليمن هي أنها لا تستطيع إن تحكم نفسها،أو تحفظ دماء أبناءها، وليس بمقدورها إن تعيد لذاتها هويتها وتاريخها، ومجدها الذي كان.
حاولت إن استقرا يوما أخبار أبين ،فلم أجد فيها ما يفرح كل ما وجدته، كان أخبار موت ودمار من شاكلة :انتحار شاب في أحور، جثة مجهولة في جعار ، مقتل مواطن في مودية، وأخبار أخرى متنوعة عن القاعدة والإرهابيين والطائرات الأمريكية بدون طيار التي لا تغادر سماء أبين.
يحزنني ما آلت إليه أبين وما أسمع من أنينها و يحزنني أكثر أن جزءا كبيرا من أبنائها لا يستشعرون شيئا من الألم لمصير مدينتهم التي استقبلت رؤوسهم حينما شرفوا المعمورة بقدومهم لأول مرة.