من ذا الّذي يقف أمام جلال بهائكَ
ويتأمّل انبعاث النّور من سفير عينيكَ
ولا يترجّى أن يتوقّف الوقت عند شاطئ الزّمنْ
ويلملم حبيبات الضّياء المنهمرة من سنابل روحكَ؟..
من ذا الّذي لا يترك مخدعه الفقيرْ
ويخرج للبحث عنك في وقار الأنبياءْ
وطهر الأصفياءْ
فيتلمّس حنوّك المنسكب من ديمة قلبكَ؟
من ذا الّذي لا يخشى على نفسه من مخاطر هذا المنفى ووحشتهْ...
فيهرع إلى أسفارك المنطبعة على أنفاس الأشجارْ
والمنقوشة على صلابة الصّخورْ
والمتفجّرة من ينابيع تردّد صدى همسك النّاعم الرّقيقْ ؟
من مثلكَ حتّى يستوي المكوث فيكَ مع سكنى الحياة المتلاشية والمنقضية؟
إنّ المكوث فيك حياة تئنّ إليها كلّ نفسْ
ويرجوها كلّ جسد يبني هيكله من أريج السّلامْ...
هو ذا صوتك يخطو على رعشة قلبي...
يبارك النّبضَ
ويرضى عن تقدمتي...
يناجي قيثارة الرّوحْ...
ويكلّم الأنا... فتصمتْ
وتتلفّظ في سرّها أعذب كلماتكَ...
تسلّم الوجدان كاملاً إليكَ
وتفوز بأناك المتألّق المحيي...
وتهيم سابحة في كون آخرْ
لا يفقه من الأسرار إلّا سرّ حبّك المطلقْ...
من مثلك يا سيّد...
شذاك يأسر المكانْ
ويبعث صباحاً أبديّاً
كذلك الصّباح الأوّلْ...
يوم انصهر الصّوت والنّداءْ
والتحمت الصّورة والرّسامْ...
واتّحد الشّاعر والوحي
فولدت القصيدة...
لمسك يداعب سكون الكيانْ
يصوغه سراجاً لا ينطفئْ...
ولا يهمدْ...
يداك السّاهرتان تحرسان أنفاسي
وتنقّيان همسات روحي...
وكلّك الّذي لا يتعبْ
ولا ينامْ...
يهدهد لي عبير الشّوق السّرمدي.
من مثلك يا سيّد...
أنت الجمال في لحظة ما قبل التّكوينْ...
ورقّة الضّياء ما قبل الانبعاثْ
وسحر الكلمة في سرّها...
لأنّك الأعذبْ...
أنت رهافة الحسّْ
وخجل الإحساسْ...
ونقاء النّظراتْ
قبل صحوة العيون على لوحات الجمالْ...
لأنّك الأنقى...
أنت ماء الحياة المنهمرة من علٍ...
قبل إدراك الأمواه لأمواجها...
وارتحال السّفن في زرقتها
لأنّك الحياة...
أنت سيّد حياتي...
قبل أن أعاين سرّ الحياةْ
وأولى نبضاتي المشرقة في سفر الحياةْ...
لأنّك السّيّد...