للكاتب والرّوائي المصري " محمد أبو بطّة "
"كل حرف تقوله أو تكتبه يؤثر سلباً أو إيجاباً حتًى على هؤلاء الًذين يبدون وكأنًهم غير مهتمًين بما تقول أو تكتب فانتقِ حروفك مسموعة أو مقروءة وانتقِ زمانها فهي آثار تقود البعض إلى الحقيقة أو تقودهم إلى الضلال ولك نصيب فى ما حصدوا من حقائق أو ضلالات. ( مدحت البكري)
كثر هم المحلّلون السّياسيّون والكتّاب والمثقّفون الّذين يعبّرون عن آرائهم في زمن الأزمات العصيبة، وكثر هم من يتطرّفون في تعبيرهم فلا يقدّمون إلّا وجهة نظرهم بغضّ النّظر عن الحقائق الواقعيّة وبغضّ النّظر عن احترام الرّأي الآخر وإن كانوا يدّعون الدّفاع عن حرّيّة الرأي والتّعبير ويحملون شعار احترام الآخر واختلافه عنهم فكريّاً وعقائديّاً وسياسيّاً. فتستحيل مقالاتهم وتحليلاتهم سلاحاً من نوع آخر يساهم في إشعال الفتن وتغذية النّعرات الطّائفيّة والصّراعات الفكريّة، وكأنّي بهم يشركون أنفسهم في اللّعبة السياسيّة لهدف يرجونه في أنفسهم. ممّا يدفعنا لنقدّم كلّ الإحترام والتّقدير إلى الكاتب "محمد أبو بطّة" لكونه من المثقّفين الّذين يعلمون ويدركون أنّهم مسؤولون عن الكلمة الّتي يتفوّهون بها وبالتّالي مسؤولون عن المتلقي لهذه الكلمة.
"مصر الثّورة "، كتاب يعرض فيه الكاتب " محمد أبو بطة "، أوضاع مصر بدءاً من ثورة الخامس والعشرين من يناير، مستعرضاً شتّى المراحل الّتي مرّت بها الدّولة المصريّة، مدقّقاَ في تفاصيل الأحداث بمنتهى الموضوعيّة والرّصانة الفكريّة ومنتقداً بشكل لاذع كيفيّة تعامل المصريّين مع الأوضاع الرّاهنة إن على مستوى الحكّام والمسؤولين وكيفيّة إدارتهم للأزمة في الوطن وإن على مستوى الشّعب المصري وكيفيّة استيعابه لخطورة الظّروف الرّاهنة.
لا يرمي الكاتب من خلال هذا الكتاب تحليلاً سياسيّاً وحسب وإنّما يريد به تقويم السّلوك الإنسانيّ الفكري والمعرفي، من خلال إيقاظ الحسّ التّحليليّ لدى المواطن بهدف مراقبة الأحداث، فينمّي فيه الوعي السّياسيّ والتّحليليّ لتجنّب نتائج كارثيّة قد تأتي بها الصّراعات والنّزاعات الحاصلة في السّاحة المصريّة، سواء أكانت صراعات طائفيّة أم سياسيّة.
يتدرّج الكاتب في تحليله منطلقاً من أزمة ما قبل الانتخابات المصريّة الّتي أثارت الكثير من البلبلة عقب إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن ترشيح مرشّحاً للإخوان للمنصب الرّئاسي. ويقرأ الكاتب الواقع المتازّم بموضوعيّة متميّزة ثم يعرض الوقائع بتفاصيلها ويحلّلها بدقّة، فينقل فكر كلّ التّيارات والأحزاب، حتّى الهواجس الشّعبيّة وذلك بعرض الرّأي والرّأي المضاد مناقشاً كلّ الثّغرات السّياسيّة الّتي حضّرت للأزمة المصريّة والّتي ساهمت باشتعال الأزمة لاحقاً. كما يشدّد الكاتب على دور الإعلام الأساسيّ والمحوريّ في الأزمة ويحمّل المسؤوليّة لجميع القوى الثّوريّة في ما تدفعه مصر اليوم من ثمن باهظ إذ يقول: "لابد أن أسجل أنّ جميع القوى الثّورية أخطأت خطأً تاريخياً يوم غادرت الميادين فور تنحّي رأس النّظام السّابق! فقد أسقط الشّعب الرّئيس ولم يسقط النّظام! هذه الحقيقة التّاريخية وهذا الخطأ التّاريخي يدفع الشّعب المصري ومن ثمّ مصرنا الحبيبة ثمنه حتّى الآن!"
ينطلق الكاتب في تحليله من الأحداث التّاريخيّة ليسقطها على الأزمة الحاليّة فيكوّن رؤية واضحة تبرّر نتيجة ما يحصل في مصر اليوم إن على الصّعيد السّياسيّ أو الاقتصدي أو الاجتماعيّ. ويبيّن مدى تورّط الأحزاب في البحث عن مصالح شخصيّة وفرديّة لا ترقى إلى مستوى مصلحة البلاد، والدّخول في زواريب السّياسة المقيتة الّتي تحقّق مصلحة السياسات العالميّة والّتي لا يهمّها مصلحة الدّولة المصريّة. ويخلص إلى تبيان التباسات الحالة الانتخابيّة من ناحية قلّة الوعي الانتخابي بما يتضمّنه من نقص في التّدريب على العمليّة الانتخابيّة، ومن ناحية تأثير الإعلام من خلال برامجه السّياسيّة الّتي ترمي إلى تحليلات ومناقشات أقلّ ما يقال فيها وهميّة واستباقيّة، ومن ناحية التّطلّع إلى شخص الرّئيس المنتخب وإلى الجماعة أو الحزب الّذي ينتمي إليه دونما الاهتمام بمصلحة الوطن والتّضافر والتّعاون في القيام به من جديد.
يمكننا تقسيم الكتاب إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: أزمة مصر ما قبل الانتخابات حتّى فوز مرشّح جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحريّة والعدالة بمنصب رئاسة الجمهوريّة وغالبيّة المقاعد النّيابيّة في مجلس الشّعب المصري.
- المرحلة الثّانية: الإخوان المسلمون وكيفيّة إدارة الحكم، والتّأثيرات الخارجيّة على الإعلام المصري والصّراع القائم في السّاحة المصريّة.
- المرحلة الثّالثة: إعلان سقوط الرّئيس المصري د. محمد مرسي والبديل الأسوء، عودة حكم العسكر.
من هنا يمكننا القول أن الكاتب بنى تحليله ثم صياغة النّصوص على مراحل أربعة معتمداً المعايير التّالية:
1- المنهج التّحليلي:
يمنهج الكاتب تحليله المستخدم في معالجة الواقع، انطلاقاً من أحداث سابقة موظّفاً إيّاها في الأحداث الآنيّة فنرى تدرّجاً تطوّريّاً محدّداً يصل من خلاله إلى واقع الحقائق السّياسيّة. ولا شكّ أن الكاتب يرى جذور الأزمة في النّظام السّابق الّذي مهّد إلى حدوث أزمة ما بعد الثّورة، إذ إنّ الفساد الّذي تملّك الدوّلة والمسؤولين فيها سبّب خللاً كارثيّاً في البنية الأساسيّة للدّولة، اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً. ممّا أدّى إلى استحكام في أركان الدّولة ويبيّن بذلك أنّ النّظام ما زال قائماً رغم سقوط رأس النّظام، ويحاول بشتّى الوسائل استعادة حضوره القويّ على السّاحة المصريّة مفتعلاً غالبيّة الأحداث الّتي أدّت إلى تدهور الحالة المصريّة.
ولا يزال الكاتب يتعمّق في ثغرات الأزمة الحاليّة أي ما بعد الانتخابات، ويظهر للقارئ ضلوع جماعة الإخوان المسلمين فيها إذ إنّهم وهم يعلنون أنّ هدفهم الدّائم هو الدّعوة، إلّا أنّهم يبتغون الوصول إلى السّلطة. ومن يتأمّل نشاطهم السّياسي المتناقض والّذي يبرّرونه بحركيّة السّياسة، يفهم أنّ هدفهم السّلطة. "وعندما نتأمل موقف الإخوان المسلمين بهدوء سنقرأ العجب ونكتشف العجب! فهم يتلوّنون مع كلّ موقف ويبرّرون كلّ قرار حتّى لو كان القرار الأوّل عكس القرار الثّاني تماماً! وعندما تسألهم يجيبونك بكلّ بساطة أنّ السّياسة عالم الحركة وليست عالم الجمود! ويبرّرون أنّ من يتمسّك بالسّكون والجمود سيجد نفسه خارج الميدان (بالطبع خارج ميدان السياسة!). إذن فهدفهم الأسمى ليس الدّعوة بل السّلطة والحكم!... ويشير الكاتب أنّ حلّ الأزمة يكمن في فصل الجماعة عن الحزب السّياسي وليس دمج الاثنين في إدارة السّلطة، إذ إنّ من أراد الدّعوة عليه تطليق السّلطة والعكس صحيح، فرجل الدّعوة يختلف عن رجل السياسة. فإن احترف الأوّل السياسة سيجد نفسه في مأزق خطير، وإن احترف الثّاني الدّعوة فلن يجد مريدين كثيرين له لأنّهم سيشكّكون في نواياه. " فهل يفعلها الإخوان بمنتهي الشفافية أم أنهم سيكتبون نهايتهم العملية بأيديهم في عصر الشفافية الذي نعيشه وسنعيشه إن شاء الله؟!."والجدير بالذّكر أنّ جماعة الإخوان المسلمين عاشت ما يقارب السّتين عاماً جماعة محظورة النّشاط، كما عانت المطاردة والسّجن والاعتقالات والإعدام بلا محاكمات ردحاً من الزمن... " وما إن قامت الثّورة حتّى سارعت الجماعة المحظورة للخروج إلى النّور وافتتاح مقرّات رسميّة لها مع رفع شعارها عليها ثمّ أعلنت عن تأسيس حزب سياسي لتمارس الجماعة السّياسة من أوسع أبوابها وبطريقة مشروعة وقانونيّة !." وما لبثت الجماعة بعد معركة شرسة وفوز مرشّح الحزب والجماعة بمنصب رئاسة الجمهوريّة، أن تصرّفت باستعلاء تجاه من انضمّوا إلى حزب الحرّيّة والعدالة فالولاء في الأساس للجماعة وليس للحزب، " فتمّت إعادة تشكيل القيادات على المستويات العليا والوسطى والدّنيا ليكتشف أعضاء الحزب من خارج الجماعة أنّهم خارج تلك التّغييرات والتّشكيلات على جميع المستويات!". وستعزّز هذه الإخفاقات لاحقاً، كما يشير الكاتب، إلى المزيد من الخوف من سيطرة التّيّار الإسلامي. هذا الخوف الّذي يتأرجح بين المنطق والمبالغة، في حين يشهد الإسلام اليوم حرباً شرسة وقاسية إعلاميّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً. ولا شكّ في أنّ هذا الخوف قد يكون غير مبرّر أحياناً إلّا أنّه في مكان تساهم السّياسات والحركات المتطرّفة في المزيد من تشويه صورة الإسلام وكأنّي بها حركات مأجورة تلعب دوراً أساسيّاً في هذه الحرب.
ولا يغيب عن الحقائق السّياسيّة من وجهة نظر الكاتب تعمّد السّياسات العالميّة كالسّياسة الإسرائيليّة والأميريكيّة الاستفادة من الأزمة المصريّة بل تعزيز الصّراعات في الداخل المصري. إنّ ضعف الدّولة المصريّة يحصّن الداخل الإسرائيليّ ويحافظ على قوّة إسرائيل، خاصّة وأنّ الدّول المجاورة لها كالعراق وسوريا تشهد صراعات داخليّة عنيفة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى كلّما ضعف جهاز الدّولة وبنيته الاقتصاديّة ستُغرق الدّولة الأميريكيّة مصر بمزيد من الدّعم المالي حتّى تنال ما تخطّط من أجله. وبالتّالي يصبح القرار المصريّ تحت رحمة القرار الأميركي، ما يسميه الكاتب احتلالاً. بالمقابل لا ينفي الكاتب ميلاد معارضة حقيقيّة أنتجها الإعلان الدّستوريّ، إن جاز التّعبير، فشهدت مصر معارضة حقيقيّة، ( جبهة الإنقاذ الوطني)، إلّا أنّها فقدت بريقها ومؤيّديها عندما استمرّت في غيّها ورفضها الحوار الوطني مع الرّئيس والحكومة، بعد أن جاء الاستفتاء في ديسمبر ليعلن أنّ للشعب المصري وللعالم أجمع أنّ الشّعب المصري يؤيّد الرّئيس مرسي.
إنّ التّحليل الّذي رمى إليه الكاتب بدءأ من أزمة ما قبل الانتخابات مروراً بأزمة الحكم وانتهاء بإعلان سقوط الرّئيس مرسي، يعود إلى حسن عرضه للحقائق بشفافيّة ودون انحياز لفريق أو لآخر، معتمداً التّحليل المنطقي والموضوعيّ غير متأثّر بالعواطف الشّخصيّة. " فالإنسـان الّذي تتحكّم بـه العواطف لا يرى إلّا جانبا ًواحداّ من المـــوقف". ( سبينوزا ).
2- المعلومات المستخدمة:
استخدم الكاتب معلومات واقعيّة، منطلقاً من أرض الواقع حتّى بلوغ غايته المرجوّة وهي إظهار الحقائق وفق تحليل سياسيّ ناضج لا يهدف إلى تعزيز الصّراعات، ولا يقصد إشعال الفتن السّياسيّة والطّائفيّة، وإنّما إلى كسر الضّبابيّة المحيطة بالجوّ العام المصري وتبيان الحقائق، لعلّ هذا التّحليل يعيد التحام الشعب الواحد بعد أن انقسم بين معارض وموال حتّى وصل به الأمر إلى الاصطدام في ما بينه. كما يريد الكاتب من هذه الحقائق، تبديد الخوف المسيطر على البعض أو الأغلبيّة من الفكر الإسلامي الّذي بحسب رأيه، يحسن أن يأخذ فرصته، بعد أن اختبر الشّعب المصري السّياسة الدّيكتاتوريّة وسياسة الانفتاح والسّياسة الرّأسماليّة الفاحشة. ويميّز الكاتب بين الفكر الإسلامي والحكم الدّيني الّذي يدعو إليه البعض بهدف السّلطة، ويؤكّد أنّ الإسلام ليس بحاجة لجماعة الإخوان المسلمين، إذ يقول: " إن الإسلام أكبر من أي جماعة مهما كانت! فقد كمل الإسلام في حياة الهادي البشير محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولم تعد هناك حاجة لظهور دعوة جديدة بمرشد جديد إلّا إذا كان هذا المرشد يريد أن يدلّنا إلى دين جديد بأتباع جدد!.". ويزيد قائلاً: " إنّ الإسلام ونبيّ الإسلام علّم النّاس التّفكير والتّدريب على القيادة لا التّدريب على الانقياد بلا تفكير!.
كما أنّ كلّ المعطيات والمعلومات الّتي استند إليها الكاتب ليست رأياً شخصيّاً وإنّما حقائق يعرفها الجميع إلّا أنّ الاختلاف عليها اختلاف نظريّ. من هنا يتدبّر الكاتب في جعل هذه الحقائق وهذه المعلومات قاعدة أساسيّة يحرّك من خلالها فكر المواطن فيرى الأمور جليّة ويبقى له إمّا أن يقتنع برؤية الكاتب المستقبليّة وإمّا أن يناقشها.
3- قدرة الأفكار المتولِّدة في القبض المعرفي على الوقائع الماضية، أو الوقائع الرّاهنة:
ونعني بهذا قدرة الكاتب على تفصيل الحقائق وقدرته على تبيان الإيجابيّات والسّلبيّات والغوص في التّفاصيل، وتفكيك مضمونها ثمّ نقدها لبلوغ هدفه الأسمى الّذي هو كسر مفهوم الإنحياز الأعمى لطرف أو لآخر واعتبار المصلحة العليا للوطن فقط، أيّاً كان توجّه الأفراد أو التّيّارات الحزبيّة والسّياسيّة. فعندما يكون الهدف مصلحة الوطن ينبغي التّنازل عن بعض التّشبّث والتّطرّف بالآراء حتّى ننهض بالوطن بدل أن تتحوّل أعظم ثورة عرفها التّاريخ الحديث، على حدّ قول الكاتب، ونعني بها الثّورة المصريّة، إلى معقل للوطن فيسقط هو بدل أن يسقط النّظام.
في نصّ بعنوان "الشّعب يريد إسقاط الوطن"، يحمّل الكاتب مسؤوليّة الشّرذمة الوطنيّة لكلّ الشّعب المصري على حدّ سواء، بدءاً من الرّئيس المصري د. محمد مرسي، مروراً بجماعة الإخوان المسلمين، والتّيّار السلفي الجهادي، وجبهة الإنقاذ، ووزارة الدّاخليّة، والإعلام، ورجال النّظام السّابق، والموظّفون وصولاً إلى الشّعب. ويحمّل بذلك كلّ منهم مسؤوليّة إسقاط الوطن من خلال إخفاقات كان يمكن تفاديها لو أنّ مصلحة الوطن كانت الأولى. ولا يخفي الكاتب خيبته بما وصلت إليه الحالة المصريّة، إذ يقول: "يشترك الجميع في إسقاط الوطن ولن أجافي الحقيقة إذا قلت أن العالم أجمع بلا استثناء يريد إسقاط مصر الثورة! ولكن ما يدمي القلب ويملأ القلوب حسرة أنّ أبناء الوطن أنفسهم يريدون أيضاّ إسقاط مصر... فالعالم الغربي كلّه بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية يريد إسقاط مصر الثّورة خاصّة بعد وصول مرسي لسدّة الحكم خشية نجاح المشروع الإسلامي فتحذو جميع الدول الإسلامية حذوه فتضيع المصالح الغربية للأبد!. والعالم العربي أيضاّ يريد إسقاط مصر الثّورة وأيضاّ بعد وصول مرسي لرئاسة الجمهورية لأنه سيشجع التيارات الإسلامية على تكرار التجربة المصرية – حال نجاحها – في كل البلاد العربية وهو ما لا يريده حكام تلك الدول ملوكاّ كانوا أم رؤساء جمهوريات!. والعالم الغربي والعربي لا يمثّل شيئاّ بدون الشّعب المصري نفسه لذا استدرجوا الشّعب المصري كلّه بلا استثناء ليساعدهم في إسقاط مصر!."
4- القدرة، من خلال تحقيق ما سبق، على التّنبؤ بالوقائع القادمة:
بناء على ما سبق من عرض للوقائع وتحليلها والتّعمّق بها، يعرض الكاتب رؤيته المستقبليّة في البديل الأسوء، ( عودة حكم العسكر ). ويبني رؤيته أوّلاً على حالة الفوضى الّتي تشوب الدّاخل المصري في غياب مريب للأمن الدّاخلي، ثانيّاً على المشاكل المفتعلة والّتي ستفتعل، ثالثاً الانحدار السّياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليكون الحلّ الوحيد للأزمة بل الحلّ الأسوء، هو عودة حكم العسكر عن طريق انقلاب عسكري، وليس عن طريق عودة المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة (وإعلان السيسي - نفسه - رئيساً للجمهوريًة حتًى إجراء انتخابات برلمانيًة جديدة ). وينبّه الكاتب ويشدّد على خطورة هذا الحلّ الّذي قد يكون هو البديل الوحيد، ويرسم ملامح المستقبل الأسود، وليس أفضل منه في التّعبير عن هذا المستقبل الأليم في قوله: " لو حدث هذا البديل – لا قدّر الله- سيتمّ القبض على كلّ النّخبة السّياسيّة الحاليّة حكومة ومعارضة! سيتمّ إعلان الأحكام العرفيّة من أوّل لحظة لآخر نفس في حياة السّيسي! سيعود القهر والإرهاب والذلّ! لن يعترض أحد ولن يخرج الشّباب مرّة ثانية ولن تقوم لنا قائمة ولن تكون لنا قيمة بل سنكون أسوأ الشّعوب قاطبة! لن يرحّب بنا أحد ولن نرى النّور ثانية!. "
في كتاب لعلّه الأفضل بين الكتب السّياسيّة، وبنظرة واقعيّة وموضوعيّة واتّزان فكريّ وعاطفيّ، وحرّيّة رأي وتعبير تدرك مدى مسؤوليّة الكلمة، وتأثيرها على المتلقّي، ساهم الكاتب المصري القدير " محمد أبو بطّة " بتأريخ مرحلة من تاريخ مصر، موجّهاً القارئ العربي بشكل عام والقارئ المصري بشكل خاص إلى أهمّيّة تقييم الأمور وتحليلها والنّظر إليها من زوايا مختلفة حتّى يصل إلى نتيجة واحدة، ألا وهي النّهوض بمصر. ولا يحصر الكاتب معنى مصر في كونها دولة عربيّة قويّة وحسب، إنّما يتطلّع إلى مصر أمّ الدّنيا، الحضارة الحاضنة لكلّ الشّعوب على مختلف أديانهم وانتماءاتهم واعتقاداتهم. مصر الّتي نظم فيها شاعر النّيل حافظ ابراهيم قصيدة طويلة، نجتزئ منها هذين البيتين للدلالة على مصر الحضارة والتاريخ والقوة:
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً |
كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي |
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَه |
رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي |