قراءة نقدية في " مِنْ طُقوسِ الْقَهْوَةِ الْمُرَّة" لفراس حج محمد

السبت 20 يوليو 2013 06:29 صباحاً عدن اليوم/خاص/ فلسطين /صونيا عامر

ما بعد رسائل "فراس حج محمد" ينتقل إلى تذكير شهرزاده بصباحاتهما المفعمة قهوة وحبا، بعد أن فرق بينهما الزمن وجور الأهل، معلنة الانفصال مضطرة جميلها فراس لمراجعة دكتور يساعده على العودة الى الواقع بكتابه الجديد "من طقوس القهوة المرة" الذي جاء بـ (244) صفحة صدر عن دار غُراب للطباعة والنشر والتوزيع في القاهرة.

أفكار الكتاب وموضوعاته:

يبدأ فراس طقوس قهوته المرة مشيدا بدلالات القهوة عربيا وعالميا بقوله: "أما القهوة نفسها عند العرب فتعني: الخمر، واللّبَن المحض، والرائحة، والخصب لينتقل إلى تذكيرها بحبهما الأزلي الأبدي في القصيدة التي شكلت عتبة الكتاب الشعرية "أنا سرُّ سرك يا فتى"!عندما تجعلني أنشدُ قلبي وحبي على لسانها، فهي ليست بأقل اشتياقا وحبا مني!

"أنا سرّ سرّك، والمكان، وسر قهوتك الأنيقةْ

وسرّ فنجانٍ تفتح في اشتياقاتي العميقةْ

تهدينيك حبا فائحا

ورداً، حديقةْ"

ويتساءل، من هي بدونه؟ من هو بدونها؟ ما معنى الكتابة إذا لم تكن هي فكرتها العلوية؟ كيف للغة أن تكون منطقية وهي بعيدة مستكنة في عالم الغيب؟ ليستنتج التالي "يا للحياة ما أتعسها بدونك أنت أيتها المرأة المصوغة من رحيق الورد!!". كعادتها وعادته يرتشفان فنجان الصباح شغفا  الى أن تضلله مفضلة الشوكولاته "تخدعين القهوة بعناق الشوكولاتة!!. وبخبث نادر، تريد أن تربك توقعي: أنا قهوتي مرة بكل أوان وبكل مكان، ولكنني أشربها وقد تناولت قطعة من الشكولاتة. ليعود فراس لنظرته الفلسفية " فالزمن كالأشخاص البارعين لا يحب الرتابة، ويحضر رغباته كما هو يريد، لا كما يريد الكسالى والمتعبين أن يكون"

احتوى الكتاب على فلسفات وومضات وجودية جميلة ضمنها عناوين كثيرة جاءت من الأهمية تباعا على النحو التالي: فنجان واحد من القهوة يكفيننا يا سيدتي، في هذا الصباح التشريني الزاهر والمفعم بتباشير بواكير الخير، فنجان واحد يكفينا يا سيدتي، لنكون معا، تماما لو أننا أشعلنا سيجارة واحدة من نوع (davidoff-lights)، وجعلناها تشربنا في لحظة عشق لا حدود لها.هل لي برشفة قهوة!! هل لي برشفة قهوة، فأنا أتوق لها بنكهة شفتيكِ؟ ما أبدع أناملها الرقيقة وهي تداعب روحي بفنجان قهوتها المُرة!! هي الآن في مطبخ روحها، تعد فنجانها معطراً بأريج الحب بحروف أربعة، تجمدت. قهوة الدفء في صقيع بارد، ما زالت القهوة حاضرة رغم غيابها القسري الأليم. قهوة بطعم الروح واشتياقاتها! لك حبي واشتياقي يا صاحبة الطقوس، ولتدم القهوة وليدم سرنا الصغير، وحبنا الأكبر حجم اتساعِ كونٍ لن يَسَعَ أحدا سوانا، ولن نرضى أن يكون معنا أحد سوى أنا وأنت وذلك الفنجان الأنيق أيتها المتأنقة، والأنثى الكاملة البهية. قهوة بنكهة مزاجها المسائيّ، سيأتي وقت أكون فيه شرابك المفضل، ألست راغبة في أن تتنفسي أنفاسي وأنت ترتشفين فنجانك الصباحي. قهوة بنكهة صباحك: الصفات لموصوف واحد. فكرة فلسفية أخرى لفتت اهتمام فراس : هل كانت القهوة مؤنثة لتأخذ وتستولي على كل الصفات الأنثوية؟ ألم يكن أبوها البنّ؟ فهل كان البنّ مذكرا؟ ألم تكن الشجرة هي أصله؟ فهل الشجرة مؤنثة؟ إن منبتها التراب، فهل التراب مذكر؟ تسقيه السماء بغيثها وحنينها، فهل السماء والغيوم مؤنثة؟ وهل الغيث مذكر؟ علاقات متشابكة في الوصف والوجود بين التذكير والتأنيث، فهل الأنثى قهوة؟ وهل البن رجل؟ سلسلة غير منتهية تكشف عن مدى التعالق الكوني الوجودي بين كل مذكر أصله أنثى وبين كل أنثى أصلها أو موئلها مذكر، فهل للحياة أن تستقيم بغير أنثى؟ لا أظن، ولكن هل كل أنثى هي أنثى؟ وهل كل مذكر هو مذكر؟ أكاد أصاب بهلوسة اللغة. أتلك أناقتها أم أناقة قهوتها؟ إنها لا تُوزن بأي ميزان سوى ميزان الرهافة والمطلق، إنها قهوتها المرّة بطعم أنوثتها الحرّ. القهوةُ الروحُ والرائحةُ والمكانُ! لم يرغب في علاقة من أي نوع مع أي معجبة من المعجبات، المهووسات بما كان يكتب حول طقوس القهوة، ليجرب العبث، فكل حب وطقوس حب ليست مصنوعة لها هي العبث بعينه، فمن أحب لا بد أن يكون قلبه معه ومالك له.ستَصنَعين لَوْنَ قَهْوَتِي، لن يطول غيابنا وفرقتنا يا غاليتي وفاتنتي، إنه الأسود الذي يليق بك، معنى جماليا مبدعا وخاصا، ألم يقولوا: وبضدها تتميز الأشياء!!. أسئلة من طقوس القهوة المرة*، تبدأ طقسها الذي أعدته على مهل، وفكرت فيه بعناية طوال النهار، وهي تعابث أعمالها، ودوامها الرتيب المقيت، التي لم تعد ترغب في الاستمرار فيه، تراك نسيت تلك القهوة؟ أم لم تعد تحبها؟. عندما يخلو المساء من طقوس قهوتها!!، ولكن خشيت على قلبي ألا يحتمل رؤيتها، وهي تمرّ كالطيف من أمامي ولا تتحدث معي، أمرٌ كان ولا يزال يعذبني أن أراها ولا أستطيع أن أكلّمها. هل تغار القهوة منك؟ يخبرها أنه يرتشف فنجانه وهو يراها كاملة أمامه متجلية كبارقة ضياء مشتعلة حنينا، يسترسلان معا في تحميل القهوة إثم الارتباك والخجل، فيقولان: جبارة تلك القهوة إنها قوتها الناعمة هي التي أضعفت قدرتنا على الاحتمال. رشفة أولى من الفنجان الأول في العام الجديد، "فهل سيختلف هذا العام عما سبقه، لقد تفاءلنا كثيرا يا عزيزتي في أول أيام عام ألفين واثني عشر، فمنحتنا السنة نكبتها أضعافا مضاعفة، فلا تتأملي أن يصير العالم أبهى، يكفيني أن أتفاءل بك كل صباح، وليكن ما يكون بعدها، فلم أعد أنتظر مجيء فجر غير فجرك أنت، وهذا ما يهمني". رسائل من لدن قهوتها الصباحية، تلك رسائل الأحداث غير المتوقعة. قارئ بنسختين وفنجان من القهوة! تبرهن شغف الشاعر بالنقد والأدب "هذه حكاية من حكايات عيد الحب (فالنتاين). تأهبوا........"، كان هذا هو السطر الأول من رواية "الجنس والمدينة"، لكنه ربما سيشاهد ما هو أكثر أهمية، فلعل موضوع الجنس في الرواية كان غلافا لفكرة أعمق للكاتبة كانديس بوشنيل. قهوة على مرأى من الحلم، هو حلم، ولكنه نذير بؤس وشر ، ربما خيبة أمل هي الأخرى حتى في الأحلام، فلم أستطع التفوق والانتصار حتى في الحلم. أتمنى أن تكتملي في طقوسي، لم أشرب القهوة اليوم بمزاجك، فالغياب ما زال فادحا. كأنها ليست من برج الأسد!! "مساء الخير، لن أردّ على شيء من ذاك البريد، ولن أذكر الأسباب، وسأترك لك مجالا لتسأل صاحبتي القهوة المرة، وهي ستجيبك، مع ملاحظة أنك تحبّ دائما العذاب، ولا تحب أن ترتاح، كأن هذا الشيء فعلا من صفات أصحاب برج الأسد". ووضعت كما لا بأس به من علامات التعجب في نهاية رسالتها، وربما نسيت نفسها أنها هي أيضا من أصحاب هذا البرج، فهل هي فعلا تحبّ العذاب وتحبّ أن تعذبني وتعذّب نفسها؟. صباحُكَ نرجس!!،"ربما تراجعت، وكأنها تخشى شيئا ما"

ويناجي الكاتب محبوبته قائلا: "فانتظري قدومي، ولا تتركي الهمّ يغطي على أبصارنا، فأنا ما زلت أراك بقربي وبجانبي، فاستحضري الروح، فأنت هنا الآن معي!!.هي قهوتك بلهفة الحنين!!. لم يغفل حبه الدمشقي وثقته بالنصر للحرية والعدالة ضد الجور والطغيان، حيث أشار، يكاد يقتلنا الشوق يا سوريا الحبيبة، يا ليت كل الطغاة يعلمون أننا سنهزمهم بحبنا وبرائحة قهوتنا التي عشقناها وعشقتنا. لماذا أرادت فنجانا من القهوة فارغا؟.والآن بدل أن يظلّ السؤال واحدا، صارا سؤالين، لماذا سألتني عن البوظة؟ ولماذا أرادت فنجانا فارغا من القهوة هذا الصباح؟ لماذا؟ يا ليتها تجيب عن السؤالين معا. عندما يحاول القراء الإجابةكأن تكون قد شعرت بالعطش، أو أنها لم تعد تتذوق طعم القهوة.آخر ما قالته صاحبة الطقوس، أغلقت البريد ورغبت في أن أنام لعلني أستطيع أن أكتب لها تلك الحروف الأربعة على لوح من مطلق الزمن، ولعلني أستطيع أن أتحمل غيابها الأبدي القاسي، توجهت إلى صفحة الفيس بوك وكتبت كلمة واحدة بدون أي رتوش أو صور: "أحبك"، وذهبت لفراشي لعلني أغفو قليلا إن تلطفت بي هواجسها التي تعتادني كل ليلة. لا قهوة تليق بهذا الصباح المر*!! ما معنى أن يخلو الصباح من فنجان قهوة مصنوع بإحساس عالٍ، تشتعل فيه الذكريات، ويستعيد القلب فيه عافيته؟ هل لفنجان قهوة أن يعيد عافية القلب والعقل؟. وصارت تكره القهوة، كانت أشبه بعملية استنزاف للمشاعر، أو الرقصة الأخيرة على وتر مقطوع، أصبحتْ أكثر استفزازا، أكثر بعدا، وأشدّ تعبا، أكثر حبا، وأعنف غيرة، مثل عاصفة إن هبت لا أحد يوقفها، تجرف نفسها، فتدمر اللحظة، وتسحق النرجس وتسكب قوارير العطر المخبأ وتغيب. موعد قد يكتمل*!! يرنّ هاتفه، فيظهر ذلك الرقم مرة أخرى إنها هي، ما الذي أتى بها هذه اللحظة؟ ربما حركها الفضول لتعرف عنه ما كان خافيا عنها. الصبرَ، يا أمّ زيد*، كان يحلو له أن يناديها بأم زيد بعد أن عرف أنها ترغب بإنجاب طفل منه تسميه زيدا، كان ذلك خلال مكالمة ناعمة ودافئة، يتذكر الآن كيف استحسنت هذا الاسم عندما اقترحه عليها، فاستقبلته بضحكة ما زال صوتها يكركر في أذنيه، يكاد يسمع رنينه العذب كلما تذكر ذلك، فصار في كل أحاديثه معها لا ينسى أن يناديها "يا أم زيد"، فتكرر ضحكتها وسرورها. ألا يكفيك جنونا يا أبي*؟ كان أبي مجنونا حقا، عندما بحث عن امرأة أخرى غير أمي، كأنّ أمي لم تحبه يوما، وكأنها لم تؤد واجباته، وكأنها لم تكن معه ليله كله، وكأن أمي لم تتقاسم معه الأيام والدقائق والثواني، كأنه لم يعرفها على مدى أكثر من عشرة أعوام، لقد كان أبي مجنونا فعلا. بعض الرسائل قاتل يا عزيزتي*رسائل شهرزاد آلمت شهرزاد كثيرا،الكتابة أمل آخر وفلك آخر وتعويض نفسي وواقعي عن كل خسارة، فلعلّ تلك المُحِبّة الكارهة تستوثق بما ينداح حولها من معاني لتعرف الحقيقة!!.هي           غرغرينا الوقت! "نامي بحضن من اخترت فليس لي مكان لم يتبق لي سوى التلظي في شقائي ما تبقى من بعض أيامي، ولعلها أقصر مما تتخيلين"، ظلت رسالته هناك تعاني من الفقدان والمرارة، ولم تجد أحدا يوصلها، فقد أخذته الغفوة ونام، وهو يصارع آلاما تكاد تقضي على كل حياة محتملة أو كائنة في هذا الوجود!!. في مكتب والدها، سيناريو محتمل*، هذا هو السيناريو الذي كان*

- ما رأيك؟ هل لي أن أتحدث في الموضوع؟

يجيب من فوره ودون تردد:

- أفضلُ أن لا تتحدث؟

ماذا ستكون الخطوة القادمة؟ أرسلت لها اعتذاري فأودعته محذوفات الفضاء المفتوح على استهزائها وسخريتها،أهملت كل ذلك، وأهملتني.اشرب فنجانك وحدثني*، غالبت دمعة الشوق التي تحدرت غصبا عني، وأظلمت الدنيا في وجهي، لم أعد أرى شيئا من الفضاء الكثيف المتجمع حولي، أحسست بأن كل شيء يبادلني الشماتة حتى لغتي وأوراقي وكتبي، وأقلامي سخرت مما صرت أكتبه، تعاتبني لقد أشقيتها وغمستها بالهمّ بدلا من أن أزخرف فيها صورا لحب كان يمكن أن يكون هو الأجمل حاضرا وغدا.

شربت سؤرة الفنجان، وما زال طيفك يعيد جملته الأخيرة: "اشرب فنجانك وحدثني"، نهضت هاربا من قسوة تلك اللحظة لعلني أستطيع السيطرة على نفسي، فقد شعرت بكل آلام البشرية قد توافدت لتسكن في جسدي، ولكن هيهات أن يذوب الطيف أو يرحل!!. كأنه مشهد عادي جدا، ذات صدفة فيسبوكية، "هو" يصارحها بالحبّ، و"هي" تراوغه بـ "كأنّ" لتقع في الشرك، أو لتوقعه في حبالها. هل غدت مدمنة على أن تلم عشاقا تسجلهم في دفتر يومياتها؛ لتزيد من رصيد عواطفها الزائفة؟ هل كانت "هي" صادقة عندما كنتُ "هو" ذات مشهد عاطفي قبله؟ "هو" هذه الضحية الجديدة التي تتهيأ لتُصلب على مشانق الوهم والسراب، ولتذبح بمشاعر حريرية ناعمة. هل أصيبت "هي" بداء عدم المبالاة بعد أن تركتني فصار لسان حالها يقول: "لا شيءَ يهمّ بعدك، فليكن "هو"، إذ لم تكن "أنت"، فالأمر سيان!! أما أنا "هو" قديما لم أعد أغار. ضحكت بلطف، وتجاوزت منطقة الألغام محتفظا بذكراها، وشرعت بتسجيل ملاحظاتي كظل بدأ يستعيد كينونته المسروقة!!. عليك أن تكبري! يُسَلِّم لها بما أرادت، ويقضيان ليلة أزهرت فيها نجوم الليل، وفاحت فيها أزاهر البيلسان، وغردت بلابل النفس، يودعان بعضهما بعبارات من الألفة، وينام كل منهما على ذراع صاحبه، مستسلميْن لحلم جميل، لعله يكون واقعا يوما ما. كبرتَ عشرين عاما دفعة واحدة،

ينسحب ببطء، ولا يستأذن أحدا، ليقضيَ ليلة أخرى في غرفته وحيدا، حاول أن يجرجر الوقت بمتابعة الأخبار فلم يستطع التركيز، حاول أن ينام فلم يعرف أن يجمع جفنيه في لحظة هدوء، أسلم نفسه للهواجس تلعب فيه كيفما شاءت. فكر أنه سيكون في أمان وهو هناك بعيد عن كل ذاكرة وذكرى، ولم يكن يدرك أن طيفها يلاحقه حتى وهو يحاول الانغماس في العمل مكرها نفسه على أن يكون عاديا ويبدو للجميع طبيعيا، ولكنه لم يكن يدري أن دماءها ما زال يرتعش دفقه في شرايين حنينه الذي لم ينطفئ!!.



 بقلم صونيا عامر